تقسيم الورث للبنات والاولاد
تقسيم الورث للبنات والاولاد


في لحظة غياب عزيز، لا يبقى للإنسان سوى ما خلفه من أثر طيب، ومن بين تلك الآثار ما يتركه من مال أو ممتلكات لأهله وورثته، وهنا تبدأ تساؤلات حساسة، غالبًا ما تفتح أبوابًا للنقاش وربما الخلاف، حول تقسيم الورث للبنات والاولاد، وبين ما تقرره الشريعة الإسلامية وما تتداوله الأعراف الاجتماعية، يبرز السؤال الجوهري: ما هو العدل الحقيقي في الميراث؟

تقسيم الورث للبنات والاولاد

تقسيم الورث للبنات والأولاد ليس مجرد مسألة حسابية تُوزّع فيها الأنصبة، بل هو نظام إلهي دقيق، يستند إلى مبادئ العدل الإلهي والرحمة الاجتماعية، وفي الإسلام، حُدّدت أنصبة الورثة بآيات واضحة من القرآن الكريم، مع مراعاة أدوارهم ومسؤولياتهم المالية في الحياة الأسرية. 

وقد تكون الفكرة الشائعة بأن “الذكر يأخذ ضعف الأنثى” صحيحة في حالات معينة، لكنها ليست القاعدة الوحيدة، فهناك حالات ترث فيها الأنثى مثل الذكر أو أكثرـ لذا، من المهم أن نفهم الحكمة الكامنة وراء هذه الأحكام بدلًا من اختزالها في أرقام.

  • المرجع الرئيسي هو القرآن الكريم: جاء تفصيل أنصبة الورثة في سورة النساء، حيث نُصّ على نصيب الذكر والأنثى بشكل دقيق لا يقبل التلاعب.
  • المسؤوليات المالية مبرر شرعي للتفاوت: في الإسلام، الذكر مكلّف بالنفقة، سواء على زوجته أو أسرته، وهو ما يُبرر حصوله على نصيب أكبر في بعض الحالات.
  • وجود حالات ترث فيها المرأة أكثر أو مساوية للرجل: ليست القاعدة دائمًا “للذكر مثل حظ الأنثيين”، فهناك حالات عديدة تختلف بحسب موقع الوريث.
  • توزيع الميراث يعتمد على درجة القرابة: وليس فقط على النوع، فالأقرب يُقدَّم على الأبعد، سواء أكان ذكرًا أو أنثى.
  • الإرث فرض شرعي لا يمكن تجاوزه: لا يجوز للأب أو غيره تغيير النصيب المقرر لأي من الورثة، ولا يُقبل التمييز بين الأبناء في توزيع التركة.
  • التنفيذ من قِبل القاضي أو الورثة لا يُبدّل الحكم الشرعي: فالتقسيم الحق هو ما يوافق أحكام الشريعة، لا ما تمليه الأعراف أو الأهواء.
  • عدم احترام الأنصبة الشرعية ظلم صريح: ومن أعظم صور أكل أموال الناس بالباطل، وقد توعد الله مرتكبيها.

هل يرث الذكر دائمًا ضعف الأنثى؟ 

من أكثر المفاهيم المغلوطة المنتشرة حول تقسيم الورث للبنات والأولاد، هي الفكرة القائلة إن الذكر يرث ضعف الأنثى بشكل دائم. وهذا غير صحيح شرعًا، فالأمر أكثر تنوعًا. 

  • القاعدة ليست مطلقة بل مشروطة: الذكر يرث ضعف الأنثى فقط في حال التساوي في الدرجة، كما في الأبناء.
  • المرأة قد ترث أكثر من الرجل: في حالات كالأم التي ترث سدس التركة، في حين قد يرث الأخ فقط بالتعصيب.
  • الأنثى قد ترث وحدها في غياب الذكور: وإذا لم يوجد وريث ذكر، تأخذ المرأة كامل التركة أو تشارك غيرها بالتساوي.
  • هناك حالات ترث فيها الإناث أكثر عددًا ونصيبًا: مثل وجود أكثر من بنت واحدة دون وجود ابن، فلهن ثلثا التركة.
  • الزوجة قد ترث أكثر من الأب أو الأخ: بحسب وجود أو عدم وجود الأولاد، وتقدير الحصص الشرعية.
  • الذكر أحيانًا لا يرث شيئًا والأنثى ترث: كما في حالة وجود حاجب أقرب درجة من الأخ مثلًا.
  • التوريث لا يعتمد على النوع وحده: بل على عدد الورثة، درجات القرابة، والجهة (أصل، فرع، حواشي).
  • أكثر من ثلثي مسائل المواريث تكون فيها المرأة مساوية أو متقدمة: حسب ما توصل إليه علماء الفرائض.
  • تقسيم الورث للبنات والأولاد يحكمه ميزان رباني دقيق: لا يعتمد على مفاهيم بشرية بحتة بل على حكمة كلية.

أخطاء شائعة في تقسيم الورث تهضم حقوق البنات

رغم وضوح التشريع، إلا أن الواقع مليء بتجاوزات قد تظلم المرأة في تقسيم الورث للبنات والأولاد. 

  • حرمان البنات من الميراث بدعوى “عدم الحاجة”: بعض العائلات تظن أن البنات لا يحتجن للميراث لأن أزواجهن مسؤولون عنهن.
  • الإجبار على التنازل: وهو من أكثر صور الظلم انتشارًا، وغالبًا ما يتم الضغط تحت ستار “التراضي العائلي”.
  • تأخير التقسيم عمدًا: مما يؤدي إلى ضياع الحقوق بمرور الزمن أو موت أحد الورثة.
  • تفضيل الذكور في التوزيع اليدوي للتركة: بعيدًا عن التقسيم الشرعي، بحجة أنهم “الأعمدة” أو “الورثة الحقيقيون”.
  • تسجيل العقارات والأملاك باسم الذكور فقط قبل الوفاة: وهو نوع من التحايل لتقليل نصيب الإناث.
  • جهل البنات بحقوقهن وعدم اللجوء للقانون: فتسكت بعضهن خوفًا من القطيعة أو بدافع “الحياء”.
  • الاعتماد على العُرف بدل الشريعة: وهذا سبب رئيسي في تكرار المظالم، رغم تعارض العرف مع النصوص.
  • تزوير المستندات أو إخفاء معلومات عن التركة: وقد يؤدي ذلك إلى حرمان بعض الورثة بالكامل.
  • الإيهام بأن الشرع لا ينصف المرأة: مما يؤدي إلى شبهات لا أصل لها شرعًا.

التنازل عن الميراث: هل هو جائز؟ وهل يكون تحت الإكراه؟

في سياق تقسيم الورث للبنات والأولاد، تبرز مسألة التنازل، سواء عن رضا أو إكراه، كقضية فقهية واجتماعية، فهل يجوز ذلك؟

  • التنازل جائز إن كان عن طيب نفس: بشرط أن يكون الوريث راشدًا، غير مكره، وواعيًا لما يفعل.
  • الإكراه يبطل التنازل شرعًا: لأن الأصل في المعاملات التراضي، وأي ضغط يبطل الأثر.
  • التنازل الموثّق أقوى حجة من الشفهي: ويُنصح باللجوء إلى التوثيق للحفاظ على الحقوق.
  • الرجوع عن التنازل ممكن في بعض الحالات: خصوصًا إذا لم يتم التقسيم فعليًا أو لم تُسجّل العقارات.
  • لا يُشترط قبول التنازل من الورثة الآخرين: بل هو حق شخصي للمتنازل، إلا إذا ترتب عليه ضرر مباشر.
  • الضغوط العائلية لإجبار البنات على التنازل مرفوضة شرعًا: وتعد من صور أكل الحقوق.
  • التنازل لا يرفع الإثم عمّن أجبر غيره عليه: فالوزر يقع على من مارس الضغط.
  • تقسيم الورث للبنات والأولاد لا يُعدّ قابلًا للمساومة: فالأمر شرعي لا عرفي.
  • يجب على البنات طلب الفتوى أو المساعدة القانونية: عند الشعور بالظلم، دون خوف أو خجل.

وصايا لتجنّب النزاع بعد الوفاة: حماية الورثة وضمان العدالة

حتى لا يتحول تقسيم الورث للبنات والأولاد إلى ساحة صراع، يجب الاستعداد المسبق، ووضع الخطط التي تمنع المشاكل قبل وقوعها.

  • كتابة وصية شرعية واضحة: تُحدد فيها التوزيعات وفق الشرع، دون ظلم لأحد.
  • عدم تأجيل الحديث عن الميراث: بل يُفضل مناقشة التركة بهدوء قبل الوفاة مع حضور شهود.
  • الاستعانة بمفتي أو مختص في علم الفرائض: لتجنب الوقوع في أخطاء التقسيم.
  • تسجيل الأملاك والأراضي بشكل عادل: خاصة في المجتمعات التي لا توثق العقود بدقة.
  • عدم التلاعب بالتوكيلات أو نقل الملكيات قبل الوفاة: فهذه التصرفات كثيرًا ما تكون سببًا للنزاعات.
  • تعليم الأبناء والبنات معنى الميراث وأهميته: فالفهم السليم يخفف من المشاحنات.
  • تشجيع الشفافية داخل الأسرة: في معرفة الموجودات والديون والحقوق.
  • الحرص على التوثيق الرسمي للتقسيم بعد الوفاة: حتى لا يضيع الحق مع الزمن.
  • فهم أن العدل ليس خيارًا بل فريضة: وأي إخلال به في تقسيم الورث للبنات والأولاد هو تعدٍّ على حدود الله.

إن فهم تقسيم الورث للبنات والاولاد يحتاج إلى وعي ديني وثقافة مجتمعية تنأى عن التحيّز والعاطفة غير المنضبطة، والشريعة الإسلامية بحكمتها، لم تظلم المرأة يومًا، بل وضعت ضوابط دقيقة لضمان حقوقها. 

اقرأ أيضًا: